فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتنتهي هذه الجولة القصيرة؛ وقد لمست كل حنية في تلك القلوب؛ ولبت كل خاطر هجس فيها في لحظة الخروج. وقد تركت مكان كل مخافة طمأنينة، ومكان كل قلق ثقة، ومكان كل تعب راحة. وقد هدهدت تلك القلوب وغمرتها بشعور القربى والرعاية والأمان في كنف الله الرحيم المنان.
ألا إنه لا يدرك هواجس القلوب هكذا إلا خالق القلوب. ولا يداوي القلوب هكذا إلا الذي يعلم ما في القلوب.
وبعد هذه الجولة مع المؤمنين يرتد السياق إلى التناقض في موقف المشركين وتصوراتهم. فهم يقرون بخلق الله للسماوات والأرض وتسخيره للشمس والقمر وإنزاله الماء من السماء وإحيائه الأرض بعد موتها. وما يتضمنه هذا من بسط الرزق لهم أو تضييقه عليهم. وهم يتوجهون لله وحده بالدعاء عند الخوف. ثم هم بعد ذلك كله يشركون بالله، ويؤذون من يعبدونه وحده، ويفتنونهم عن عقيدتهم التي لا تناقض فيها ولا اضطراب، وينسون نعمة الله عليهم في تأمينهم في البيت الحرام، وهم يروعون عباده في بيته الحرام: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون أو لم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين}.
وهذه الآيات ترسم صورة لعقيدة العرب إذ ذاك؛ وتوحي بأنه كان لها أصل من التوحيد؛ ثم وقع فيها الانحراف. ولا عجب في هذا فهم من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وقد كانوا بالفعل يعتقدون أنهم على دين إبراهيم، وكانوا يعتزون بعقيدتهم على هذا الأساس؛ ولم يكونوا يحفلون كثيرًا بالديانة الموسوية أو المسيحية وهما معهم في الجزيرة العربية، اعتزازًا منهم بأنهم على دين إبراهيم. غير منتبهين إلى ما صارت إليه عقيدتهم من التناقض والانحراف.
كانوا إذا سئلوا عن خالق السماوات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، ومنزل الماء من السماء، ومحيي الأرض بعد موتها بهذا الماء. يقرون أن صانع هذا كله هو الله. ولكنهم مع هذا يعبدون أصنامهم، أو يعبدون الجن، أو يعبدون الملائكة؛ ويجعلونهم شركاء لله في العبادة، وإن لم يجعلوهم شركاء له في الخلق. هو تناقض عجيب. تناقض يُعجّب الله منه في هذه الآيات: {فأنى يؤفكون}؟ أي كيف يصرفون عن الحق إلى هذا التخليط العجيب؟ {بل أكثرهم لا يعقلون} فليس يعقل من يقبل عقله هذا التخليط!.
وبين السؤال عن خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر؛ والسؤال عن منزل الماء من السماء ومحيي الأرض بعد موتها. يقرر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له فيربط سنة الرزق بخلق السماوات والأرض وسائر آثار القدرة والخلق، ويكل هذا إلى علم الله بكل شيء: {إن الله بكل شيء عليم}.
والرزق ظاهر الارتباط بدورة الأفلاك، وعلاقتها بالحياة والماء والزرع والإنبات. وبسط الرزق وتضييقه بيد الله؛ وفق الأوضاع والظواهر العامة المذكورة في الآيات. فموارد الرزق من ماء ينزل، وأنهار تجري، وزروع تنبت، وحيوان يتكاثر. ومن معادن وفلزات في جوف الأرض، وصيد في البر والبحر. إلى نهاية موارد الرزق العامة، تتبع كلها نواميس السماوات والأرض، وتسخير الشمس والقمر تبعية مباشرة ظاهرة.
ولو تغيرت تلك النواميس عما هي عليه أدنى تغيير لظهر أثر هذا في الحياة كلها على سطح الأرض؛ وفي المخبوء فيها من الثروات الطبيعية الأخرى سواء بسواء. فحتى هذا المخبوء في جوف الأرض؛ إنما يتم تكوينه وتخزينه واختلافه من مكان إلى مكان وفق أسباب من طبيعة الأرض ومن مجموعة تأثراتها بالشمس والقمر!.
والقرآن يجعل الكون الكبير ومشاهده العظيمة هي برهانه وحجته، وهي مجال النظر والتدبر للحق الذي جاء به. ويقف القلب أمام هذا الكون وقفة المتفكر المتدبر، اليقظ لعجائبه، الشاعر بيد الصانع وقدرته، المدرك لنواميسه الهائلة، بلفتة هادئة يسيرة، لا تحتاج إلى علم شاق عسير، إنما تحتاج إلى حس يقظ وقلب بصير. وكلما جلا آية من آيات الله في الكون وقف أمامها يسبح بحمد الله ويربط القلوب بالله: {قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون}!.
وبمناسبة الحديث عن الحياة في الأرض وعن الرزق والبسط فيه والقبض، يضع أمامه الميزان الدقيق للقيم كلها. فإذا الحياة الدنيا بأرزاقها ومتاعها لهو ولعب حين تقاس بالحياة في الدار الآخرة: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}.
فهذه الحياة الدنيا في عمومها ليست إلا لهوًا ولعبًا حين لا ينظر فيها إلى الآخرة. حين تكون هي الغاية العليا للناس. حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة. فأما الحياة الآخرة فهي الحياة الفائضة بالحيوية. هي {الحيوان} لشدة ما فيها من الحيوية والامتلاء.
والقرآن لا يعني بهذا أن يحض على الزهد في متاع الدنيا والفرار منه وإلقائه بعيدًا. إن هذا ليس روح الإسلام ولا اتجاهه. إنما يعني مراعاة الآخرة في هذا المتاع، والوقوف فيه عند حدود الله. كما يقصد الاستعلاء عليه فلا تصبح النفس أسيرة له، يكلفها ما يكلفها فلا تتأبى عليه! والمسألة قيم يزنها بميزانها الصحيح. فهذه قيمة الدنيا وهذه قيمة الآخرة كما ينبغي أن يستشعرها المؤمن؛ ثم يسير في متاع الحياة الدنيا على ضوئها، مالكًا لحريته معتدلًا في نظرته: الدنيا لهو ولعب، والآخرة حياة مليئة بالحياة.
وبعد هذه الوقفة للوزن والتقويم يمضي في عرض ما هم فيه من متناقضات:
{فإذا ركبوا في الفلك دعوا لله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.
وهذا كذلك من التناقض والاضطراب. فهم إذا ركبوا في الفلك؛ وأصبحوا على وجه اليم كاللعبة تتقاذفها الأمواج؛ لم يذكروا إلا الله. ولم يشعروا إلا بقوة واحدة يلجأون إليها هي قوة الله. ووحدوه في مشاعرهم وعلى ألسنتهم سواء؛ وأطاعوا فطرتهم التي تحس وحدانية الله: {فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} ونسوا وحي الفطرة المستقيم؛ ونسوا دعاءهم لله وحده مخلصين له الدين؛ وانحرفوا إلى الشرك بعد الإقرار والتسليم!.
وغاية هذا الانحراف أن ينتهي بهم إلى الكفر بما آتاهم الله من النعمة، وما آتاهم من الفطرة، وما آتاهم من البينة؛ وأن يتمتعوا متاع الحياة الدنيا المحدود إلى الأجل المقدور.
ثم يكون بعد ذلك ما يكون، وهو الشر والسوء.
{ليَكْفُرُوا بما آتَيْناهُمْ وَليَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
وهو التهديد من طرف خفي بسوء ما سوف يعلمون! ثم يذكر هم بنعمة اللّه عليهم في إعطائهم هذا الحرم الآمن الذي يعيشون فيه فلا يذكرون نعمة اللّه ولا يشكرونها بتوحيده وعبادته. بل إنهم ليروعون المؤمنين فيه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ أَفَبالْباطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ}.
ولقد كان أهل الحرم المكي يعيشون في أمن، يعظمهم الناس من أجل بيت اللّه، ومن حولهم القبائل تتناحر، ويفزع بعضهم بعضا، فلا يجدون الأمان إلا في ظل البيت الذي آمنهم اللّه به وفيه. فكان عجيبا أن يجعلوا من بيت اللّه مسرحا للأصنام، ولعبادة غير اللّه أيا كان! {أَفَبالْباطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ} {وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرى عَلَى اللَّه كَذبًا أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوىً للْكافرينَ}.
وهم قد افتروا على اللّه الكذب بنسبة الشركاء إليه. وهم كذبوا بالحق لما جاءهم وجحدوا به. أليس في جهنم مثوى للكافرين؟ بلى وعن يقين! ويختم السورة بصورة الفريق الآخر. الذين جاهدوا في اللّه ليصلوا إليه ويتصلوا به. الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينكصوا ولم ييأسوا. الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس. الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب. أولئك لن يتركهم اللّه وحدهم ولن يضيع إيمانهم، ولن ينسى جهادهم. إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم. وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم. وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم. وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء: {وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسنينَ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمَا هَذه الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَهْو وَلَعب}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} قال: باقية.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {لهي الحيوان} قال: الحياة الدائمة.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عجبًا كل العجب للمصدق بدار الحيوان، وهو يسعى لدار الغرور!».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فإذا ركبوا في الفلك} قال: الخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فتمتعوا فسوف تعلمون} قال: ما كان في الدنيا فسوف ترونه، وما كان في الآخرة فسيبدو لكم.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ أَفَبالْبَاطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ (67)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنا} قال: قد كان لهم في ذلك آية، إن الناس يغزون ويتخطفون وهم آمنون {أفبالباطل يؤمنون} أي بالمشرك {وبنعمة الله يكفرون} أي يجحدون.
وأخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم قالوا: يا محمد ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس لقلتنا، والعرب أكثر منا، فمتى بلغهم أنا قد دخلنا في دينك اختطفنا فكنا أكلة رأس. فأنزل الله {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله: {فاعبدون} جعله الزمخشري جوابَ شرطٍ مقدرٍ، وجعل تقديمَ المفعول عوضًا منْ حَذْفه مع إفادته للاختصاص. وقد تقدَّم منازعةُ الشيخ له في نظيره.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الْمَوْت ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)}.
قوله: {ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ} قرأه بالغيبة أبو بكر، وكذا في الروم في قوله: {ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ} [الروم: 11] وافقه أبو عمرو في الروم فقط. والباقون بالخطاب فيهما. وقرئ: {يَرْجعُون} مبنيًا للفاعل.
قوله: {والذين آمَنُوا} يجوز فيه الوجهان المشهوران: الابتداءُ والاشتغال. والأخَوان قرآ بثاءٍ مثلثةٍ ساكنةٍ بعد النون، وياءٍ مفتوحةٍ بعد الواو من الثَّواء وهو الإقامةُ. والباقونَ بباءٍ مُوَحَّدة مفتوحةٍ بعد النون وهمزةٍ مفتوحةٍ بعد الواو من المَباءة وهي الإنزالُ. و{غُرفًا} على القراءة الأولى: إمَّا مفعول به على تضمين {أَثْوَى} أنزل، فيتعدَّى لاثنين، لأنَّ ثوى قاصر، وأكسبته الهمزةُ التعدّيَ لواحدٍ، وإمَّا على تشبيه الظرف المختصّ بالمبهم كقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صرَاطَكَ} [الأعراف: 16] وإمَّا على إسقاط الخافض اتّساعًا أي: في غُرَف.
وأمَّا في القراءة الثانية فمفعول ثانٍ، لأنَّ بَوَّأ يتعدَّى لاثنين، قال تعالى: {تُبَوّىءُ المؤمنين مَقَاعدَ} [آل عمران: 121] ويتعدَّى باللام قال تعالى: {وَإذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهيمَ} [الحج: 26]. وقد قرئ: {لَنُثَوّيَنَّهم} بالتشديد مع الثاء المثلثة، عُدّي بالتضعيف كما عُدّي بالهمزة. و{تَجْري} صفة ل {غُرَفًا}.
قوله: {الذين صَبَرُوا} يجوز فيه الجرُّ والنصبُ والرفعُ كنظائرَ له تقدَّمتْ.
قوله: {وَكَأَيّن مّن دَآبَّةٍ} جوَّز أبو البقاء في كَأَيّن وجهين، أحدهما: أنها مبتدأ، و{لا تحملُ} صفتها، و{اللَّهُ يَرْزُقها} خبره، و{منْ دابَّةٍ} تبيين. والثاني: أَنْ تكونَ في موضع نصبٍ بإضمار فعل يُفَسّره {يَرْزُقها} ويُقدَّرُ بعد {كَأَيّنْ} يعني لأنَّ لها صدرَ الكلام. وفي الثاني نظر؛ لأنَّ منْ شرط المفسّر العملَ، وهذا المفسّر لا يعملُ؛ لأنه لو عَملَ لحلَّ مَحَلَّ الأول، لكنه لا يَحُلُّ مَحَلَّه؛ لأنَّ الخبرَ متى كان فعلًا رافعًا لضميرٍ مفردٍ امتنع تقديمُه على المبتدأ، وإذا أرَدْتَ معرفةَ هذه القاعدة فعليك بسورة هود عند قوله: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتيهمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا} [هود: 8].
{وَمَا هَذه الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَهْو وَلَعب وَإنَّ الدَّارَ الْآخرَةَ لَهيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}.
قوله: {الحيوان} قدَّر أبو البقاء وغيرُه قبل المبتدأ، مضافًا أي: وإنَّ حياةَ الدار الآخرة. وإنما قدَّروا ذلك ليتطابقَ المبتدأ والخبر، والمبالغةُ أحسنُ.
وواوُ {الحيوان} عن ياءٍ عند سيبويه وأتباعه. وإنما أُبْدلَتْ واوًا شذوذًا، وكذا في حَيْوَة عَلَمًا. وقال أبو البقاء: لئلا يلتبسَ بالتثنية يعني لو قيل: حَيَيان. قال: ولم تُقْلب ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها لئلا تُحْذَفَ إحدى الألفين. وغيرُ سيبويه حَمَلَ ذلكَ على ظاهره، فالحياة عنده لامُها واو. ولا دليلَ لسيبويه في حَيي لأنَّ الواو متى انكسرَ ما قبلها قُلبَتْ ياءً نحو: غُزي ودُعي ورَضيَ.
قوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي: لو كانوا يعلمون أنها الحَيَوانُ لَما آثروا عليها الدنيا.
{فَإذَا رَكبُوا في الْفُلْك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ إذَا هُمْ يُشْركُونَ (65)}.
قوله: {فَإذَا رَكبُوا} قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: بم اتصلَ قولُه: {فَإذَا رَكبُوا في الفلك}؟ قلت: بمحذوفٍ دلَّ عليه ما وَصفَهم به وشَرَحَ منْ أمرهم. معناه: هم على ما وُصفوا به من الشرْك والعناد فإذا ركبوا.
{ليَكْفُرُوا بمَا آتَيْنَاهُمْ وَليَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)}.
قوله: {ليَكْفُرُوا} يجوزُ أَنْ تكونَ لامَ كي، وهو الظاهرُ، وأن تكون لامَ أمرٍ.
قوله: {وليَتَمَتَّعوا} قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم وورش بكسرها وهي محتملة للأمرين المتقدمين. والباقون بسكونها. وهي ظاهرة في الأمر. فإنْ كان يُعتقد أن اللامَ الأولى للأمر فقد عطفَ أمرًا على مثله، وإن كان يُعتقد أنها للعلة، فيكون قد عطف كلامًا على كلام.
وقرأ عبد الله {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعلَمُونَ} وأبو العالية {فيُمَتَّعوا} بالياء منْ تحتُ مبنيًا للمفعول.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ أَفَبالْبَاطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ (67)}.
قوله: {أفبالباطل يُؤْمنُونَ} قرأ العامَّةُ {يُؤْمنون} و{يكفرون} بياء الغيبة. والحسن والسلمي بتاء الخطاب فيهما.
{وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذبًا أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للْكَافرينَ (68)}.
قوله: {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ} استفهامُ تقريرٍ كقوله:
ألَسْتُمْ خيرَ مَنْ رَكبَ المطايا ** وأندى العالمين بطونَ راح

قوله: {والذين جَاهَدُوا} يجوز فيه ما جاز في قوله: {والذين آمَنُوا} [العنكبوت: 7] أول السورة. وفيه رَدّ على ثعْلب: حيث زعم أنَّ جملةَ القسم لا تقع خبرًا للمبتدأ.
قوله: {لَمع المحسنين} من إقامة الظاهر مُقامَ المضمر إظهارًا لشرفهم. اهـ.